شهدت حاضرة ولاية البحر الأحمر بورتسودان خلال الفترة 19 -20 نوفمبر الجاري إنعقاد جلسات المؤتمر الاقتصادي الأول لمواجهة تحديات الحرب الذي نظمته وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي تحت شعار: معاً لتحقيق التعافي الاقتصادي المستدام واستهدف المؤتمر تحليل وتشخيص الوضع الإقتصادي الراهن في ظل الحرب المستمرة عبر أوراق علمية وبيانات موثوقة بجانب تقويم السياسات الكلية للاقتصاد ووضع رؤية وحلول عملية تساعد على وقف التدهور الاقتصادي وتحسين أداء الاقتصاد على مرحلتين (عاجلة ومتوسطة)،
والدور المتوقع للعلاقات الاقتصادية الخارجية في تخفيف الآثار السالبة للحرب ،
وتفعيل دور الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتنويع موارد الاقتصاد والنمو المستدام.
والإهتمام بالحوكمة والمؤسسية في إدارة الاقتصاد.
رسائل مهمة للسيد الرئيس:
خاطب السيد الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الإنتقالي الجلسة الافتتاحية للمؤتمر وأرسل في كلمته الضافية التي شملت قضايا الراهن الاقتصادي والسياسي رسائل مهمة لوجهاتٍ متعددة ؛ معلناً ألا تفاوض ولا وقف إطلاق نار إلا بإنسحاب كامل للمليشيا المتمردة من المدن والقرى واستسلامها التام وفك حصار الطرق وخروج المتمردين إلى مناطق يتم تحديدها ، مشيراً إلى التحديات الاقتصادية الماثلة وفرص الخبراء لمعالجتها ،وأشاد بجهود العاملين بالقطاع الحكومي وحيا القطاع الخاص والدول الشقيقة والصديقة وحيا المحاربين ذوداً عن حمى البلاد مؤكداً ان السودان دولة ذات سيادة ولاترهن قرارها للخارج.
كثيرٌ من التحديات قليلٌ من الفرص:
وأوضح الرئيس أن الواقع الماثل الآن فيه الكثير من التحديات والقليل من الفرص وأن إيجاد المعالجات اللازمة للتحديات الإقتصادية يقع العبء الأكبر فيها على عاتق الخبراء والمختصين في الشأن الإقتصادي بهدف التخفيف عن الشعب السوداني الذي يعاني فظائع الحرب المستمرة من المليشيا المتمردة وداعميها ، مؤكداً أهمية خروج المؤتمر بتوصيات قابلة للتنفيذ ومخرجات ترفد الموازنة المقبلة وتسهم في رفع العبء عن الشعب ليكون المؤتمر قد أتى أكله وقال أن الظروف الإقتصادية التي تمر بها البلاد معلومة للجميع ودعا المؤتمرين للخروج بتوصيات تسهم في تخفيف المعاناة عن كاهل المواطنيين.
تحية للعاملين بالوحدات الحكومية وللقطاع الخاص والدول:
وحيا الرئيس القائمين على العمل بالوحدات الحكومية مبيناً أنهم يعملون في ظروف قاسية تمكنوا من خلالها من استدامة الحياة ، كما حيا القطاع الخاص الذي يبذل جهده لضخ الدماء في شرايين الاقتصاد الوطني ، وشكر أشقاء السودان من الدول الشقيقة والدول الصديقة ووكالات الأمم المتحدة الذين وقفوا بجانب الشعب في هذه الأزمة التي يعيشها وساندوه ، مشيراً إلى أن الشعب السوداني عرف الآن صديقه من عدوه وقطع بأن لامهادنة لأي متخاذل ، وقال أن السودان سيبني علاقاته وتعاونه مع الدول في المستقبل وفقاً لمحصلة مواقفها تجاه هذه الحرب وذلك تقديراً للمواقف المشرفة للدول التي وقفت بجانبه وساندته وأضاف ” لن تكون هناك مهادنة مع أعداء الشعب السوداني وكل من ساندنا ودعمنا هو صديقنا في المستقبل ” مؤكداً أن السودان يعمل بشكل وثيق مع أصدقائه ، وأضاف نطمئن الشعب بأن هذه الحرب ماضية لنهاياتها وأن المليشيا الي زوال ولن تكون لها فرصة في المستقبل ولا لداعميها.
إشادة بموقف روسيا:
وأشاد البرهان بموقف روسيا الداعم للسودان ،واستخدامها حق الفيتو في مجلس الأمن لصالح السودان برفض قرار بريطانيا ؛ وفند إدعاء المشككين بأن السودان كان موافق على القرار ، وقال إن الصحيح هو عدم موافقة السودان عليه باعتباره قراراً معيباً ويخدش السيادة السودانية ولايلبي مطلوبات الشعب و لم يتضمن أي إلزام للمتمردين بضرورة الخروج من منازل المواطنين حتى يعودوا لمناطقهم ويمارسوا حياتهم الطبيعية، فضلاً عن أن القرار لاتوجد فيه أي إدانة للمتمردين الذين تسببوا في هذه الازمة. وأوضح أن الحديث حول أن هناك جوع وتشريد وقتل حديث غير دقيق بإعتبار أن كل هذا حدث بسبب هجمات المتمردين على المواطنين ودعم بعض الدول لهم.
سيادة الدولة وتحية للمحاربين:
وقطع الرئيس بأن السودان دولة ذات سيادة ولا يقدر عليها ولا يقودها أحد وحلول مشاكلها موجودة بداخلها ولا تفرض من الخارج وقال دونكم دول الربيع في فشل الحلول الخارجية، مشيراً إلى أن الحل النهائي هو القضاء على المتمردين نهائياًوالتخلص من الكابوس والسوس الذي نخر في جسد الوطن ، ، وأرسل الرئيس رسالة للقوى السياسية بأن تتوحد وتأتي لمساندة القوات المسلحة ، وقال لن نقبل بأي عمل سياسي مناوئي يهدد وحدة السودان لأن الذين يحاربون الآن هم سودانيين موحدين دون أي تمييز و منخرطين في معركة الكرامة من أجل الوطن وقضيتهم هي الحفاظ على أمنه وإستقراره واضاف ” نحن لسنا في حاجة لأي صراعات او تشتت، ورفض تحركات المؤتمر الوطني وقال إن الوقت مبكر لخلط المسارين الأمني والسياسي ويجب أن تتوقف الحرب أولاً ونسلم البلد بعد أن ننظفها من كل متمرد ويتم القضاء على كل مايهدد أمن البلاد ، ومن ثم يتم يفتح حوار يشارك فيه كل السودانيين.
وحيا البرهان المحاربين من القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية والمستنفرين الذين لقنوا العدو دروساً في البسالة والشجاعة في كآفة محاور القتال ؛ موجهاً رسالة للقوى السياسية بضرورة التوحد خلف القضايا الوطنية ودعمها ، مشيراً إلى أن المؤتمر الاقتصادي الأول يجب أن يكون مدعوما من القوى الوطنية والسياسية.
رؤية واضحة:
قال البرهان “رؤيتنا واضحة ونقدمها لجميع من يريد مساعدتنا، وهي يجب أن تتوقف الحرب أولاً وخروج المتمردين لمناطق يتجمعوا فيها بعد الاتفاق عليها، ومن ثم يتم تطبيع الحياة وبعد ذلك يمكن النظر في الشأن السياسي وإستكمال الفترة الإنتقالية عبر تشكيل حكومة مدنية من المستقلين من خلال حوار سوداني سوداني يتفق فيه جميع السودانين ليقرروا في مصير ما تبقى من الفترة الإنتقالية. مؤكداً أن إستمرار الحرب لايتيح المجال أمام اي عملية سياسية ، مشيراً إلى ضرورة عدم الخلط بين المسارين الأمني والسياسي.
تقييم السياسات المالية:
أبان د. جبريل إبراهيم وزير المالية والتخطيط الاقتصادي أن الحرب فرضت على الوزارة ظروف تطلبت تدابير إستثنائية وأن المؤتمر الاقتصادي الأول يأتي لتقييم السياسات التي اتبعتها وزارة المالية عبر حوار شفاف يعلي مصلحة الوطن والمواطن وأن معالجة تحديات الوضع الاقتصادي تتطلب تحليلات دقيقة وعميقة يشلرك فيها الخبراء والمختصين العارفين بإحتياجات معاش الناس ، مبيناً أن المؤتمر يهدف لتحليل الراهن الاقتصادي وتقديم رؤية للمعالجة ، وقال إن الحرب داهمتنا والبلاد مقبلة على إصلاحات اقتصادية شملت البنى الأساسية و الاستثمار في الإنسان ، وإن الحرب أفسدت الخطط الطموحة وأجبرتنا على سياسة تقشفية قاسية ،حيث لم نفقد المصادر الإيرادية فقط بل فقدنا جزءً معتبراً من رأس المال البشري وفقدت البلاد جزءً مهماً من بياناتها وذاكرتها القومية ، مشيراً إلى أن قوة الاقتصاد الريفي وإعتماد جزء كبير من المواطنين على الإنتاج الزراعي والحيواني هو ما دعم الاقتصادالوطني ولم يتحقق لأعداء السودان ماخططوا له لإنهيار الاقتصاد ، ووصف الإنتاج الزراعي في الموسم السابق بالممتاز بكل المقاييس وأضاف بأن الإعداد يجري الآن للموسم الشتوي بما يضمن نجاحه وزيادة الإيرادات العامة للدولة ودعم القطاع الاقتصادي.
إلتزام حكومي وبشريات للعاملين:
وبشر الوزير العاملين بالمركز بإكمال استحقاقاتهم ؛ معلناً إلتزام الحكومة بسداد كآفة إستحقاقات العاملين بأجهزة الدولة الاتحادية بنسبة 100% خلال موازنة العام المقبل 2025م ؛ مؤكداً حرص الحكومة علي دعم العاملين وتعزيز الاستقرار المالي في البلاد. مشيراً إلى أهمية تطبيق الفدرالية المالية لتتبع الفدرالية السياسية، وكشف عن رؤية اقتصادية عكفت الدولة على إعدادها لإعادة إعمار ما دمرته الحرب تم فيها تقدير حجم الدمار في القطاعات الحيوية والوقوف على تجارب دول شبيهة لإعادة الإعمار وتمت صياغة الرؤية لتكون وثيقة دولية تطرح في مجالها. وأكد الوزير اهتمامه بمخرجات المؤتمروتنفيذها.
حلول واقعية:
أبان د. برعي صديق علي محافظ بنك السودان المركزي أن المؤتمر يهدف للبحث عن حلول واقعية للتعافي الاقتصادي من تأثيرات الحرب التي تسببت في تدمير البنى التحتية وتعطيل الأنشطة الاقتصادية وأثرت سلباً على القطاع المصرفي والقطاعات الحيوية، مما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي وخروج عدد كبير من المنشآت عن الخدمة ؛إلى جانب إرتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة العملة الوطنية وتزايد معدلات البطالة ،ووصف إنعقاد المؤتمر بالخطوة المحورية لمواجهة تداعيات الحرب وتأثيرها العميق على الاقتصاد السوداني. وشدد على أهمية تضافر الجهود الوطنية لإيجاد حلول عملية وواقعية تضمن تعافي الاقتصاد واستدامته في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
إستراتيجية بنك السودان المركزي:
وكشف محافظ المركزي عن إستراتيجية شاملة يتبناها البنك للتعافي الاقتصادي تهدف لإستقرار سعر الصرف وإستعادة نظم الدفع الإلكتروني وضبط إستدانة الحكومة من الجهاز المصرفي ومتابعة حصائل الصادر المتأخرة ؛ مشيراً إلى تكوين محفظة بمليار دولار لتمويل السلع الاستراتيجية والعمل على استقرار سعر الصرف وضمان توفير الاحتياجات الأساسية من السوق الرسمي بدلاً من الموازي، وأبان أن البنك أصدر منشوراً بضوابط مؤقتة لمعالجة الأوضاع المالية للمصارف والخسائر التي تعرضت لها . وكشف عن السعي لاستعادة وإحلال وتحديث الأنظمة والبيانات واستعادة نظام الإستعلام الإئتماني واستخدام الترميز وتشغيل نظام الصادر والوارد ،مشيراً إلى أن المحول القومي للنقود قيد التنفيذ ويتم التدريب عليه. وأكد المحافظ إلتزام البنك الكامل بدعم كل الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والتعافي المستدام و الإلتزام التام بالتنسيق مع الجهات المعنية كآفة لإصلاح وتحسين البيئة التشريعية وتحديث الأطر التنظيمية ، معلناً إلتزام البنك بتطبيق أعلى معايير الحوكمة بما يتسق و أفضل الممارسات الدولية لتعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة ، وأكد إستمرار البنك المركزي في بذل الجهود لاستعادة أنظمته التقنية وتحديث البنية التحتية المصرفية وإعادة إنشاء المحول القومي للنقود الذي يتيح استئناف خدمات المصارف مثل البطاقات المصرفية ونقاط البيع. وأشار إلى استعادة نظام الصادر والوارد والربط بين البنك المركزي والوزارات والمؤسسات ذات الصلة لضمان استمرارية عمليات الصادر بشكل فعال وتقليل المخاطر المرتبطة بها وقال إن التعافي الاقتصادي لا يتحقق دون شراكات محلية وأجنبية مشيراً إلى إن المؤتمر فرصة حقيقية لإعادة النظر في استراتيجية الإستثمار والسعي لخلق مناخ استثماري ملائم لتعزيز الشراكات الوطنية والعالمية لدعم أهداف التعافي الاقتصادي.
استبدال العملة لمعالجة آثار الحرب:
وأبان المحافظ أن قرار استبدال العملة جاء لمعالجة آثار الحرب السالبة المتمثلة في إنتشار العملة المزيفة ونهب مخزون المصارف من النقود وجاء القرار مبنياً على دراسة متعمقة وبتنسيق تام مع جميع أجهزة الدولة والوزارات الاقتصادية والجهات الأمنية ذات الصلة وبإشراف مباشر من مجلس السيادة الإنتقالي بهدف حماية الاقتصاد الوطني وتعزيز الثقة في النظام المصرفي ، موضحاً أن تصميم العملة الجديدة تم وفق المعايير الدولية.
توصيات مهمة:
. وخرج المؤتمر بعدد من التوصيات المهمة في مجال تحديات السياسة المالية والنقدية في ظل الحرب والإلتزام بالتقنية المصرفية واستخدام التقنية المالية في إدارة المال العام وتفعيل وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص الوطني والإستفادة من تجارب الدول الناجحة في مجالها ، وتعزيز دور القطاعات الإنتاجية والإستفادة من الميزات النسبية لموارد البلاد في زيادة الصادرات وإضافة قيمة حقيقية لها بالتصنيع والحد من تصدير المواد الخام وإعلاء قيمة الصناعات التحويلية والتصنيع الزراعي بشقيه ، وشملت التوصيات تطوير القطاعات الحيوية والخدمية بمكوناتها المختلفة وتشجيع الاستثمار الخارجي واستقطاب المزيد من الرساميل الخارجية ومعالجة كآفة المعوقات التي تعترضها .
يشار إلى أن المؤتمر إنعقد بمشاركة واسعة من أجهزة الدولة الإتحادية والولائية والقطاع الاقتصادي والقطاع الخاص والأكاديميين بجانب الحضور الدولي الكبير الذي تمثله البعثات الدبلوماسية وممثلي السلك الدبلوماسي وممثلي منظمات الأمم المتحدة العاملة بعاصمة البلاد الإدارية بورتسودان.